منتديــــات البغدادي 33
تقرير: فساد الأمة.. بوابة نحو السقوط 13167712212

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا
ادارة المنتدي تحياتي احمد الكرادي

تقرير: فساد الأمة.. بوابة نحو السقوط 13167712212
منتديــــات البغدادي 33
تقرير: فساد الأمة.. بوابة نحو السقوط 13167712212

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا
ادارة المنتدي تحياتي احمد الكرادي

تقرير: فساد الأمة.. بوابة نحو السقوط 13167712212
منتديــــات البغدادي 33
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولاتصال بنا

 

 تقرير: فساد الأمة.. بوابة نحو السقوط

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عمر 2011
عضو جديد
عضو جديد



الدولة الدولة : السعودية
نقاط : 4367
العمر : 25

تقرير: فساد الأمة.. بوابة نحو السقوط Empty
مُساهمةموضوع: تقرير: فساد الأمة.. بوابة نحو السقوط   تقرير: فساد الأمة.. بوابة نحو السقوط Emptyالإثنين يونيو 04, 2012 11:43 pm

بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
تقرير: فساد الأمة.. بوابة نحو السقوط
من رحمة الله عز وجل بخلقه أنه ثبّت لهم في الأرض سنناً لا تتغير ولا تتبدل.. بهذه السنن تستقيم حياة الناس، وعليها يعتمد الخلق في حركاتهم وسكناتهم، ولو كان لكل زمان سنّة، أو لكل مكان سنّة تختلف عن غيرها لاضطربت حياة الناس، ولضاعت كل الخبرات السابقة.
فالأحداث السابقة تكرر دائماً، وبصورة تكاد تكون متطابقة، فليس هناك جديد على الأرض.. فإذا درسنا التاريخ وعرفنا أن حدثاً ما قد مرَّ قبل ذلك، وكانت فيه نفس الظروف والملابسات التي تواكب حدثاً نعيشه الآن، فإننا نستطيع أن نستنتج النتائج، فإن كان الحدث نصراً مجيداً سرنا على نفس الطريق الذي سار فيه المنتصرون فوصلنا إلى نفس النتيجة، وإن كان الحدث هزيمة مخزية تجنبنا أخطاء السابقين فلا نصل إلى هزيمة كهزيمتهم.
دراسة التاريخ بهذه الطريقة، تجعل التاريخ حياً ينبض.. دراسة التاريخ بهذه الصورة لها هدف واضح هو البحث عن "العبرة".. وهو ما ذكره الله عز وجل في كتابه عندما قال: }لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{ [يوسف: 111].
ولهذا السبب جعل الله عز وجل ثلث القرآن قصصاً؛ حتى يستقرئ المسلمون سنن الله عز وجل في الأقوام السابقين، وليعلموا حتماً أن هذه السنن ثابتة، فيستطيعوا توقع الشيء قبل حدوثه، ومن ثم الاستفادة منه، ولا يأتي هذا إلا بتفكر عميق في كل قصة، ودراستها من كل زاوية، ولهذا يقول الله عز وجل: }فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{ [الأعراف: 176].
وفي قصة سقوط بغداد والخلافة العباسية دروس وعبر من حيث الأسباب والوقائع والنتائج والتداعيات.. ولها ما يشابهها في زماننا وحالنا، فظروف وأحوال الأمة السلبية تجددت، والأسباب المهلكة تكررت، والأحداث المؤسفة في حاضرنا تشابهت مع أحداث ذلك العصر.
وقد أراد الله عز وجل أن يوضح لنا حقيقة ثبات السنن، وتكرار التاريخ، فجعل الأحداث التي تمر بها أمتنا في وقتنا هذا تكاد تكون متطابقة مع الأحداث التي جرت على سطح الأرض في القرن السابع الهجري.
ومن هنا سيركز هذا التقرير على حال الأمة الإسلامية في زمن سقوط بغداد بيد التتار، وما حل بها من الفساد السياسي والأخلاقي والاجتماعي؛ وذلك لمعرفة جانب من الخلل ونقاط الضعف التي استغلها الأعداء لضرب المجتمع الإسلامي.
الخلل الداخلي
أسباب عامة
هناك عدد من الأسباب ساهمت في دخول التتار بلاد المسلمين، وأعانت على سرعة انتشارهم، وذكر سليمان بن حمد العودة جملة من هذه الأسباب، منها:
- أسباب قدرية كونية:
كل ما يقع في هذا الكون لا يخرج عن تقدير الله وإرادته الكونية القدرية يهيئ أسبابه ويقدر أحداثه.
ومن هذه الأسباب التي هيأها لهؤلاء التتار أن زمن خروجهم اتفق مع خلو الأرض من عدد من الملوك؛ وذلك أن خوارزم شاه كان قد قتل الملوك من سائر الممالك واستقر في الأمر، وكانت جميع البلاد المتاخمة لبلاد التتار تحت أيدي نوابه، فلما انهزم أمامهم في النهاية وهرب من أرضه وتخلى عن سلطانه خلت البلاد ولم يبق لها من يحميها فساهم ذلك في سرعة انتشارهم واستئصال شأفة المسلمين من حولهم.
وملك التتار أكثر المعمورة في نحو سنة، وأوسعوا الناس قتلاً وإرهاباً - كما سلف - ولم يتفق لأحد من أهل البلاد التي لم يطرقوها بقاء إلا وهو خائف يترقب وصولهم.
فكيف إذا أضفنا إلى ذلك طبيعة هؤلاء التتار وكثرة عددهم - إذ هم يخرجون عن الإحصاء - وقوة بأسهم، وشده صبرهم على القتال؛ فهم لا يعرفون هزيمة، وعدم حاجتهم إلى غيرهم؛ فهم يعملون ما يحتاجون إليه من السلاح بأيهديم، ولا يحتاجون إلى ميرة ومدد يأتيهم؛ فمعهم الأغنام والبقر والخيل وغير ذلك من الدواب؛ يأكلون لحومها لا غير، وأما دوابهم التي يركبون فإنها تحفر الأرض بحوافرها وتأكل عروق النبات، لا تعرف الشعير، فهم إذا نزلوا منزلاً لا يحتاجون إلى شيء من خارج.
- ضعف همم القادة وانحسار سلطان الخلافة:
وفي مقابل قوة هؤلاء التتار وشدة بأسهم واجتماع كلمتهم كان الضعف ظاهراً في ملوك الإسلام في تلك الفترة بعامة، وانشغالهم عن الجهاد باللهو واللعب. وهذا المؤرخ ابن الأثير - يرحمه الله - ينعي على الإسلام وأهله، ويصف أحوال ملوكه قبيل وفاته بسنتين فيقول معلقا على أحداث سنة 628هـ ما نصه: "فالله تعالى ينصر الإسلام والمسلمين نصراً من عنده، فما نرى في ملوك الإسلام من له رغبة في الجهاد، ولا في نصرة الدين؛ بل كل منهم مقبل على لهوه ولعبه وظلم رعيته، وهذا أخوف عندي من العدو، وقال الله تعالى: }وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً{ [الأنفال: 25]".
وليست أوضاع الخلافة العباسية ولا الخلفاء العباسيين بمعزل عن هذا الوضع المتردي؛ فقد انحسر سلطان الخلافة وانكمشت حدود العباسيين، واستقل غيرهم بالسلطة في حكم أجزاء من العالم الإسلامي، وهو أمر لم يكن سائغاً في ظل حكم الدولة الأموية، هذا فضلا عن اشتغال الخلفاء العباسيين بالشهوات وجمع الأموال في أكثر الأوقات.
هذه الحقائق يجليها لنا ابن كثير في محاولة منه لتلمس أسباب نهاية الدولة العباسية على أيدي التتار فيقول: "ولم تكن أيدي بني العباس حاكمة على جميع البلاد كما كانت بنو أمية قاهرة لجميع البلاد والأقطار والأمصار، فإنه خرج عن بني العباس بلاد المغرب، وكذلك أخذت من أيديهم بلاد خراسان وما وراء النهر وتداولتها الملوك دولا بعد دول حتى لم يبق مع الخليفة منهم إلا بغداد وبعض بلاد العراق، وذلك لضعف خلافتهم واشتغالهم بالشهوات وجمع الأموال في أكثر الأوقات.
ويقول الكتبي في وصف آخر خلفاء بني العباس وما كان عليه من ضعف الهمة والاشتغال بما لا ينبغي الاشتغال به: "كان المستعصم متديناً متمسكاً بمذهب أهل السنة والجماعة على ما كان عليه والده وجده، ولم يكن على ما كانوا عليه من التيقظ والهمة، بل كان قليل المعرفة والتدبير والتيقظ، نازل الهمة محباً للمال، مهملاً للأمور يتكل فيها على غيره".
وهنا إشارة مهمة وهي أن التمسك بمذهب أهل السنة والجماعة والاعتقاد به فقط لا يكفي في حماية الأمة وتحقيق النصر على الأعداء، بل تحتاج هذه العقيدة إلى تطبيق عملي للدين في شتى نواحي الحياة، والتزاماً بمنهج السلف الصالح في التعامل مع الواقع.
ويقول قطب الدين اليونيني قريباً من ذلك ويضيف: ".. وإنما قدموه على عمه الخفاجي لما يعلمون من لينه وانقياده وضعف رأيه ليستبدوا بالأمور".
وإذا صح ما ينسبه إليه ابن العبري من ضعف الهمة وزهده بأقطار الخلافة عدا بغداد فهي طامة كبرى؛ إذ ينسب إلى المستعصم قوله: "أنا بغداد تكفيني ولا يستكثرونها لي إذا نزلت لهم عن باقي البلاد، ولا أيضاً يهجمون عليّ وأنا بها، وهي بيتي دار مقامي".
وعلى كل حال فيبدو أن ضعف المستعصم معروف حتى عند التتار؛ ولذا كانوا يسمونه "الأَبْلَه".
ويصف ابن الطقطقي حال المستعصم بقوله: "وكان المستعصم آخر الخلفاء شديد الكلف باللهو واللعب وسماع الأغاني، لا يكاد مجلسه يخلو من ذلك ساعةً واحدةً، وكان ندماؤه وحاشيته جميعهم منهمكين معه على التنعم واللذات، لا يراعون له صلاحاً.. وكتبت له الرقاع من العوام، وفيها أنواع التحذير، وألقيت فيها الأشعار في أبواب دار الخلافة، فمن ذلك:
قل للـخلـيفة مـهلاً أتــاك مــا لا تـحــب
ها قد دهتك فنـون من المصائب غرب
فانهض بعزمٍ وإلا غشاك ويـل وحـرب
كسر وهتك وأسر ضرب ونهب وسلب
وفي ذلك يقول بعض شعراء الدولة المستعصمية من قصيدة أولها:
يـا سائـلي ولـمـحـض الحــق يرتـاد أصخ فعندي نشدان وإنشـاد
واضيعة الناس والدين الحنيف وما تلقاه من حادثات الدهر بغداد
هتك وقتـل وأحـداث يشـيـب بــهــا رأس الوليد وتعذيب وأصـفاد
كل ذلك وهو عاكف على سماع الأغاني واستماع المثالث والمثاني، وملكه قد أصبح واهي المباني.
ومما اشتهر عنه أنه كتب إلى بدر الدين لؤلؤ - صاحب الموصل - يطلب منه جماعةً من ذوي الطرب، وفي تلك الحال وصل رسول السلطان هولاكو إليه يطلب منه منجنيقات وآلات الحصار، فقال بدر الدين: انظروا إلى المطلوبيْن، وابكوا على الإسلام وأهله".. ومن هنا يذكر ابن الطقطقي صفة الرجل الكامل: "قالوا: ولا ينبغي للرجل الكامل إلا أن يكون في الغاية القصوى من طلب الرياسة أو في الغاية القصوى من تركها:
إذا ما لم تكن ملكاً مطاعا فكن عبداً لخالقـه مطيـعا
وإن لم تملك الدنيا جميعا كما تهواه فاتركها جميعا".
وفي الوقت الذي كان التتار فيه يحاصرون بغداد ويحيطون بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل جانب، ذُكر أن جارية كانت تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه، وكانت من جملة حظاياه، وتسمى "عرفة"، فجاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة، فانزعج الخليفة من ذلك وفزع فزعاً شديداً، وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه فإذا عليه مكتوب: إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره أذهب من ذوي العقول عقولهم. وأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الاحتراز وكثرت الستائر على دار الخلافة، ولكن الأمر أكبر من ذلك وأعظم.
ولم يقف هذا الضعف والهوان عند حدود دول المشرق الإسلامي، أو ينتهي بضعف مركز الخليفة العباسي، وضمور سلطان الخلافة العباسة، بل جاوز ذلك إلى ملوك وسلاطين المسلمين في بلاد الشام ومصر، فقد ذكر ابن كثير - في أحداث سنة 658هـ - أن سلطان دمشق وحلب الملك الناصر بن العزيز، وملك الكرك والشوبك الملك المغيث بن العادل قد عزموا على قتال المصريين وأخذ مصر منهم، ومعهما الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري.
وقبل ذلك ذكر الذهبي أن عسكر الناصر سار سنة 656هـ، وعليهم المغيث بن صاحب الكرك، ليأخذوا مصر، فالتقاهم المظفر قطز - وهو نائب للمنصور علي ولد المعز - بالرمل فكسرهم وأسر جماعة أمراء فضرب أعناقهم.
وقبل ذلك كذلك في سنة 642هـ كان حصار الخوارزمية على دمشق في خدمة صاحب مصر، واشتد القحط حتى التقى بهم الشاميون ومعهم عسكر من الفرنج بين عسقلان وغزة، فانهزم الجمعان وحصدت الخوارزمية الفرنج، واندك صاحب حمص، ونهبت خزائنه وبكى وقال - معبراً عن سر الهزيمة: "قد علمت بأنا لا نفلح لما سرنا تحت الصلبان".
قال ابن الأثير واصفاً أحوال المسلمين في هذه الفترة بشكل عام: "فمن سلم من المسلمين من هاتين الطائفتين (التتار والفرنج) فالسيف بينهم مسلول والفتنة قائمة على ساق".
إذا علم ذلك كله أمكن تصور سرعة انتشارهم وضعف المقاومة أمامهم، وملء الرعب في قلوب الناس من حولهم، والله غالب على أمره.
صور من الصراع والضياع
- الحالة السياسية للأمة في القرن السادس الهجري:
يلخص سامي بن خالد الحمود الحالة السياسية في القرن السادس في عدة نقاط، منها:
- ضعف الخلافة العباسية:
في هذا القرن استمرت حالة الضعف والوهن الذي دب في الخلافة العباسية. ومع أن خلفاء هذا القرن كانوا في الجملة على درجة لا بأس بها من العدل والتقوى ومحبة الناس لهم، إلا أنه لم يعد للخليفة السيطرة التامة على البلاد الإسلامية، بل كانت السيطرة لسلاطين الدويلات أو الإمارات الإسلامية كإمارة السلاجقة والأيوبيون الغزنويين والخوارزميين والغوريين والعبيديين الذين سقط حكمهم في هذا القرن، إضافة إلى دولة المرابطين ودولة الموحدين اللتين حكمتا المغرب.
وكانت أكثر الإمارات تدين بالولاء للخليفة العباسي وتخطب باسمه كدولة السلاجقة وآل زنكي والأيوبيين والمرابطين، بينما كانت بعض الإمارات تعد نفسها دولة مستقلة ولا تعترف بسلطة الخليفة العباسي عليها كدولة الموحدين في المغرب، ودولة العبيديين في مصر.
وكانت الدولة السلجوقية أبرز الدويلات الإسلامية، فقد امتد سلطانها على خراسان وفارس والحجاز والشام و العراق دار الخلافة.
وشهد هذا القرن السادس موجات من النزاع المتكرر بين الخليفة وبين هذه الإمارات، مع أن أكثر هذه الإمارات كانت تخطب باسم الخليفة، وتعلن له الولاء، ومن هذه الأحداث:
في سنة 516 وقع قتال بين الخليفة المسترشد وبين دبيس بن صدقة صاحب الحِلة.
وفي سنة 519 عاد دبيس ومعه السلطان طغرل السلجوقي ليأخذا بغداد من الخليفة فأنزل الله مطراً كثيراً فتتفرق جموعهم.
في سنة 520 دخل السلطان محمود السلجوقي في بغداد على الخليفة فوقع بينهما القتال، فثار العامة مع الخليفة حتى وقع الصلح.
في سنة 529 وقع القتال الشديد بين الخليفة المسترشد والسلطان محمود السلجوقي وأُسر الخليفة، ونُهبت الأموال، فضج العامة حتى إنهم كسروا المنابر وامتنعوا من حضور الجماعات، وانتشرت الفتنة الداخلية في الأقاليم بسبب أسر الخليفة، فكتب السلطان سنجر السلجوقي إلى ابن أخيه محمود يحذره من مغبة هذا الفعل الشنيع، وأمره أن يعيد الخليفة إلى مكانه، فامتثل محمود رأي عمه، وأخرج الخليفة وأكرمه وأعد له احتفالاً، وأركبه فرساً وأمسك هو بلجام الفرس، وقبل الأرض بين يديه، فرضي الخليفة المسترشد وانقضت الفتنة.
في سنة 530 وقع الخلاف بين الخليفة الراشد والسلطان مسعود، فقام السلطان مسعود بخلع الخليفة واستدعاء عمه المقتفي ومبايعته بالخلافة.
في سنة 541 وقع خلاف بين الخليفة المقتفي وبين السلطان مسعود، فأمر الخليفة بإغلاق المساجد ثلاثة أيام، فأغلقت حتى اصطلح الخليفة والسلطان.
في سنة 551 طلب السلطان محمد بن محمود السلجوقي من الخليفة أن يخطب ببغداد فرفض الخليفة، فحاصره السلطان ببغداد شهرين، وتقاتل العامة مع الخليفة قتالاً شديداً.
- الحروب والخلافات الداخلية:
شهد هذا العصر وقوع كثير من النزاعات والحروب بين الإمارات الإسلامية، وفي بعضها يكون طرفا النزاع أخوين أو من أسرة واحدة، ومن أبرز هذه الأحداث:
في سنة 509 غزا السلطان السلجوقي محمد بن ملك شاه (صاحب العراق) الأمير طغتكين (صاحب دمشق) والأمير برشق (صاحب ماردين)؛ لعصيانهما سلطته وقطع الخطبة له، فلجأ الأميران إلى الصليبيين، فقتل الصليبيون من المسلمين خلقاً كثيراً.
في سنة 513 وقعت حروب شديدة بين السلطان محمود السلجوقي وعمه سنجر بن ملك شاه.
في سنة 514 كانت وقعةٌ عظيمة بين السلطانين محمود ومسعود ابني محمد بن ملك شاه.
في سنة 525 رجع العداء بين الأخوين محمود ومسعود، فتواجها للقتال، ثم وقع الصلح.
في سنة 526 وقعت الحروب بين الخوارزميين والسلاجقة.
في سنة 533 كانت وقعةٌ عظيمة بين الخوارزميين والسلاجقة.
في سنة 547 وقع قتال بين السلاجقة بقيادة سنجر وبين الغوريين بقيادة الحسين بن الحسن.
في سنة 569 مات نور الدين محمود زنكي فتفرق أمر زنكي ونشب الخلاف بينهم.
في سنة 589 مات صلاح الدين الأيوبي؛ فاضطربت الأمور بين أبنائه وبين أخيه العادل وتفرق شملهم في مصر والشام.
في سنة 590 وقعت الحرب بين السلاجقة بقيادة طغرل الثاني والخوارزمية بقيادة خوارزمشاه تَكَش، وانتهت بقتل طغرل وانتهاء أمر السلاجقة واستيلاء الخوارزمية على بلادهم.
في سنة 600 وقعت حروب كثيرة بين الخوارزمية والغورية.
- حال الأمة الإسلامية مع مطلع القرن السابع:
- الخلافة العباسية:
مع مطلع هذا القرن كان الخلفية العباسي هو الناصر لدين الله، وكانت سلطته الفعلية منحصرة في العراق، وعلى الرغم مما تصف به الناصر من الفصاحة والشجاعة والمكر والدهاء، فإنه كان رديء السيرة في الرعية مائلاً إلى الظلم وأخذ الأموال، ثم إنه مال إلى التشيع وتفضيل علي على أبي بكر.
ونقلت عنه أشياء غريبة وأفعال متناقضة فكان يفعل الشيء وضده، وكانت خلافته سنة 575 هـ ووفاته سنة 622هـ بسبب مرض طويل.
قال ابن الأثير: "وبقي الناصر لدين الله ثلاث سنين عاطلاً من الحركة بالكلية، وقد ذهبت إحدى عينيه والأخرى يبصر بها إبصاراً ضعيفاً، ثم أصابه دوسنطارية عشرين يوماً ومات.. ولم يطلق في أيام مرضه ما كان أحدثه من الرسوم الجائرة، وكان قبيح السيرة في رعيته ظالماً لهم؛ فخرّب في أيامه العراق، وتفرق أهله في البلاد وأخذ أموالهم وأملاكهم".
- الإمارات الإسلامية:
مع مطلع هذا القرن كانت بلاد المسلمين مجزأة إلى مجموعة من الإمارات الإسلامية، وكان أكثر هذه الإمارات يخطب باسم الخليفة العباسي في بغداد.
- الدولة الأيوبية: وقد امتد سلطانها ليشمل الشام ومصر والحجاز واليمن.
- الدولة الخوارزمية: التي قضت على السلاجقة، وكانت تحكم الجزء الشمالي الشرقي من البلاد الإسلامية، ويشمل بلاد ما وراء النهر وخوارزم وخراسان وفارس.
- الدولة الغورية: وكانت تحكم الجزء الجنوبي الشرقي من البلاد الإسلامية، ويشمل بلاد الهند.
- دولة الموحدين: وكانت تحكم بلاد المغرب.
ومع توسع الدولة الخوارزمية كان هناك نوع من الخلاف والتوتر السياسي بين السلطان الخوارزمي والخليفة الناصر لدين الله؛ بسبب مطالبة السلطان للسلطنة في بغداد وامتناع الخليفة عن ذلك، وبسبب نزاعهما على منطقة الري.
ونقل بعض المؤرخين كابن الأثير وابن كثير روايات تفيد أن الخليفة الناصر بسبب هذا الخلاف دعا التتار لغزو أرض الخوارزميين.
- انحسار المد الصليبي:
شهد مطلع هذا القرن انحساراً مؤقتاً في المد الصليبي بعد أن مني الصليبيون بالهزائم المتتالية على يد الأيوبيين في القرن السادس، ويضاف إلى هذا وقوع الخلاف والنزاع بين الروم والفرنج. ولكن خطراً بدأ يهدد بلاد الإسلام وهو ظهور التتار.
- ظهور التتار:
بعد فشل الحملات الصليبية امتلأت قلوب الصليبين حقداً على المسلمين، فقاموا بإغراء التتار وتحريضهم على الهجوم على بلاد الإسلام، وكانوا يقولون لهم: إن بلاد الإسلام جنان عظيمة، تنتج العسل، وتجري أنهارها باللبن. ولعبت النساء النصرانيات الحليلات والخليلات دوراً في بث هذا التحريض في المجتمع المغولي.
ثم إن هذا التحريض وافق توجهاً عقدياً لدى التتار بأن الله بعثهم ليحكموا العالم. فبدأ جنكيز خان بالاستعداد لغزو الجزء الشرقي من بلاد الإسلام حيث أراضي الدولة الخوارزمية التي كان يحكمها خوارزمشاه محمد تَكَش، وكان بعض التجار التتار قد جاؤوا إلى بلاد ما وراء النهر ليشتروا ثياباً لجنكيز خان، فلما وصلوا إلى خوارزم أمر خوارزمشاه بقتلهم وأخذ ما معهم، ثم أرسل خوارزمشاه جواسيسه إلى التتار فعادوا بعد مدة وأخبروه بكثرة عددهم وشدة بأسهم وأنهم لا يعرفون الهزيمة فندم على ما فعله بالتجار.
وفي هذه الأثناء وصل رسول جنكيز خان برسالة تهديد يقول فيها: تقتلون تجاري وتأخذون أموالهم فإني قادم إليكم بجنود لا قبل لكم بها.
وبينما كان خوارزمشاه منشغلاً في تجهيز الجيوش هجم التتار بقيادة جنكيزخان على بخارى، وبعد ثلاثة أيام من الحصار طلب أهلها الأمان فأعطهم الأمان، وأظهر العدل وحسن السيرة، وأمرهم أن يخرجوا بأسلحتهم ويقاتلوا معه من اعتصم بالقلعة، وكان في القلعة أربعُمائة من فرسان المسلمين، فسقطت القلعة، وقتل كل من فيها من المسلمين، ثم عاد جنكيز خان إلى بخارى، وغدر هو وجنوده بأهلها، فاستباحوها، وفعلوا بأهلها الموبقات، وقتلوا منهم خلقاً لا يعلمهم إلا الله، وأسروا الذرية والنساء، وفعلوا بهن الفواحش بحضرة الرجال، فقتل أناس دون نسائهم، وأسر آخرون فعذبوا أشد العذاب، وأحرقت المساجد والمدارس حتى صارت خاوية على عروشها.
ثم سار جنكيز خان وجنوده إلى سمرقند عاصمة الخوارزميين، وكان فيها من الجيش النظامي خمسون ألف، فلم يخرج للتتار أحد بسبب الخوف الذي ملأ قلوبهم، فتصدى لهم الشجعان من أهل سمرقند وكانوا سبعين ألف من عامة الناس.. وكان النصر حليف التتار وسقطت سمرقند.
وبعد سقوط سمرقند، بدأت المدن تتساقط الواحدة تلو الأخرى، فسقطت مازندران، ثم الري، وهَمَذَان، ثم زَنْجان، ثم قَزْوِين، ثم أَذْرَبِيجان، حتى استولى التتار على جميع أراضي الخوازميين في بلاد ما وراء النهر، وطغوا في البلاد، وأكثروا القتل والفساد.
أما السلطان خوارزمشاة فإنه هرب من بلاده، وأرسل جنكيزخان وراءه ثلاثة من كبار قواده على رأس عشرين أو ثلاثين ألف مقاتل.
- الحملة الصليبية السادسة 625هـ:
ضعف أمر الدولة الأيوبية بعد أن دب الخلاف بين أبناء الملك العادل أخي صلاح الدين، فخاف السلطان الكامل من أخويه الأشرف والمعظم، فاستنجد الكامل بإمبراطور ألمانيا فريدريك الثاني، وعرض عليه تسليمه القدس في مقابل إعانته على أخويه، وسار فريدريك إلى الشام 625هـ على رأس الحملة الصليبية السادسة، وبينما هو في الطريق إلى الشام مات المعظم أخو الكامل، وأمن الكامل على ملكه، لكنه لم يرغب في قتال الصليبيين، فعقد الصلح بينه وبين فريدريك وكانت المصيبة العظمى بتسليم بيت المقدس للصليبيين.
وهكذا أضاع الكامل كل ما بذله عمه صلاح الدين رحمه الله في مقابل ملك دنيوي سرعان ما زال بموته عام 635هـ.
وكان للكامل ولدان: العادل الصغير، والصالح نجم الدين أيوب.
أما العادل الصغير فتولى مصر بعد أبيه، لكنه شرع في اللهو والفساد، وأعلى منزلة أهل الطرب، فتحالف عليه الأمراء وقبضوا عليه ثم خلعوه، واستدعوا أخاه الصالح أيوب وبايعوه واستقر ملك الأيوبيين في مصر.
- الحملة الصليبية السابعة 637هـ:
مع استمرار ضعف الأيوبيين ووقوع القتال بينهم وبين خوارزمشاه وسلاجقة الروم، دعت الكنسية إلى حملة صليبية جديدة، فسار الفرنسيون بقيادة ثيبوب الرابع عام 637هـ، ووصلوا إلى عكا، ثم ساروا إلى عسقلان فهزمهم المسلمون فهربوا إلى عكا، وفي هذه الأثناء جاءت الأخبار بخلع العادل الصغير وتولي الملك الصالح أيوب بمصر، فغضب عمهما الصالح إسماعيل أمير دمشق، وتحالف مع الصليبيين، ثم سلمهم حصن الشقيف ليساعدوه على ابن أخيه الصالح أيوب، فلما رأى العز بن عبد السلام وابن الحاجب هذه الخيانة تصديا للإنكار على إسماعيل وانسحبا من الجيش ومعهما عدد كبير. ثم أفتى ابن العز بتحريم إعانة الصليبيين، وعرّض بالسلطان في الخطبة. ونقلت الاستخبارات الأخبار إلى إسماعيل، فأمر بعزل العز عن الخطابة واعتقاله هو وابن الحاجب.
وفي أحد الاجتماعات قال إسماعيل لملوك الفرنج: هل تسمعون هذا الشيخ الذي يقرأ القرآن؟، قالوا: نعم. قال: هذا أكبر قسوس المسلمين، وقد حبسته لإنكاره علي تسليمي حصون المسلمين لكم، وفعلت به كذا وكذا لأجلكم. فقالوا له: لو كان هذا قسيسنا لغسلنا رجليه وشربنا مرقتها.
وهكذا نجد بعض الكفار اليوم يعرفون قدر العلماء والمصلحين، بينما تتقرب بعض الحكومات العربية في فلسطين وغيرها إلى أعداء الله بحرب الدين، واعتقال الدعاة، وضرب الجماعات الإسلامية.
- حملة هولاكو من 651 ـ 656هـ:
بعد انهيار الدولة الخوارزمية اتسعت حدود الدولة التترية غرباً حتى توقفت على حدود أراضي الطائفة الإسماعيلية في إيران.
وفي عام 651هـ تحرك المغول بقوات كبيرة ومعدات ضخمة نحو المغرب لغزو الأراضي الإسماعيلية والخلافة في بغداد، وكانت هذه الحملة العسكرية بقيادة هولاكو بن جنكيز خان، فعبروا الأرضي التركستانية ثم ساروا إلى بلاد ما وراء النهر. وكانوا يسيرون سيراً بطيئاً ويتوقفون كثيراً، نظراً لضخامة أعدادهم وثقل معداتهم.
وبعد سنتين أي في عام 653هـ وصل هولاكو وجيشه إلى بلاد ما وراء النهر، وهناك أرسل هولاكو إلى الخليفة المستعصم ببغداد يدعو فيها الخليفة إلى الاستسلام دون قيد أو شرط، فإن أجاب واستسلم فعليه أن يرسل قوات بغدادية لتنظم إلى التتار لقتال الإسماعيلية.
ومما جاء في نص الرسالة من التهديد أنه قال: "فإذا فعلت ذلك فإن موافقتَكم ستحمد، وخدماتِكم سوف تقدر جيداً، ولسوف تبقى لكم أراضيكم وأسلحتكم، ولكنكم إذا تهاونتم في امتثال الأوامر، ولم تبدِ احتراماً للغرض الذي طالبَتْكم به هذه الرسالة فإننا عندما نفرغ من أمر الملاحدة (يعني الإسماعيلية) سنعود ونتوجه إليكم، وسيقع عليكم وعلى أراضيكم ومساكنكم ما سبق وجرى عليهم".
وصلت الرسالة إلى بغداد، فرد عليها الخليفة برسالة اعتذار عن عدم إرسال الجنود وبعث إلى هولاكو بعض الهدايا.
وهذه الرسالة تدل على أمرين:
الأول: الضعف والهوان الكبير الذي حل بالخلافة العباسية.
الثاني: أن غزو التتار للبلاد الإسلامية لم يكن مفاجئاً بل كانت إرهاصاته ومؤشراته واضحة المعالم كما في هذه الرسالة التي وصلت إلى الخليفة قبل سقوط بغداد بأكثر من سنتين، ومع هذا لم تكن استعدادات بغداد الهزيلة خلال السنتين بحجم هذا الخطر العظيم.
حال الخلافة في بغداد قبل السقوط
كان يتعاقب على حكم المسلمين في العراق خلفاء من بني العباس.. حملوا الاسم العظيم الجليل "الخليفة"، ولكنهم (في هذه الفترة من القرن السابع الهجري) ما اتصفوا بهذا الاسم أبداً، ولا رغبوا أصلاً في الاتصاف به؛ فلم يكن لهم من همّ إلا جمع المال، وتوطيد أركان السلطان في هذه الرقعة المحدودة من الأرض.. ولم ينظروا نظرة صحيحة أبداً إلى وظيفتهم كحكام.. لم يدركوا أن من مسؤولية الحاكم أن يوفر الأمان لدولته، ويقوي من جيشها، ويرفع مستوى المعيشة لأفراد شعبه، ويحكم في المظالم، ويرد الحقوق لأهلها، ويجير المظلومين، ويعاقب الظالمين، ويقيم حق الله عز وجل على العباد، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدافع عن كل ما يتعلق بالإسلام، ويوحد الصفوف والقلوب.
لم يدركوا هذه المهام الجليلة للحاكم المسلم، كل ما كانوا يريدونه فقط هو البقاء أطول فترة ممكنة في كرسي الحكم، وتوريث الحكم لأبنائهم، وتمكين أفراد عائلتهم من رقاب الناس، وكذلك كانوا يحرصون على جمع الأموال الكثيرة، والتحف النادرة، ويحرصون على إقامة الحفلات الساهرة، وسماع الأغاني والموسيقى والإسراف في اللهو والطرب.
حياة الحكام كانت حياة لا تصلح أن تكون لفرد من عوام أمة الإسلام فضلاً عن أن تكون لحاكم أمة الإسلام.. لقد ضاعت هيبة الخلافة، وتضاءلت طموحات الخليفة، حسب تعبير الدكتور راغب السرجاني.
كانت الخلافة العباسية في بغداد تعاني من الضعف الشديد على مختلف الجوانب السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية.
أما من حيث الجانب السياسي: فقد أقفل الخلفاء العباسيون على أنفسهم أبواب القصور، وأحاطوها بالحرس، وأصبحت مقابلة الخليفة أمراً بالغ الصعوبة للخاصة قبل عامة الناس، وكان الخليفة يعيش في عزلة عن الناس، حتى إن المستنصر والد المستعصم لما مات لم يدر أحد من الناس ولا أهلِ بيته بموته يومين كاملين سوى الحاشية الذين نصبوا ولده المستعصم.
وشهدت هذه الفترة تسلطاً من الحاشية ورجال البلاط، لدرجة أنهم هم الذين اختاروا الخليفة المستعصم لما مات أبوه ونصبوه في الخلافة، ولما اختير للخلافة اعترض بعض أقاربه لعلمهم بضعفه وعدم كفاءته، لكن الوزراء والحاشية أجبروهم على البيعة، وسجنوا من امتنع منهم وحبسوا منهم الطعام والشراب حتى بايعوه مكرهين.
وكان الخليفة المستعصم ضعيفاً قليل الخبرة بأمور الملك، وكان زمانه ينقضي بسماع الأغاني والتفرج على الأمور التافهة.
وأما من حيث الجانب العسكري: فقد كان للوزير الرافضي ابن العلقمي دور كبير في تقليص عدد الجيش وإهماله بحجة توفير الأموال لخزينة الدولة، حتى صار الجيش في عهد المستعصم عشرة آلاف، بعد أن بلغ المائة ألف في عهد والده المستنصر.
أما من حيث الجانب الاجتماعي: فقد شهد المجتمع العديد من الثورات والنزاعات الطائفية الداخلية، وصل بعضها إلى القتال المسلح وسفك الدماء بسبب وجود الرافضة في بغداد وممالأة الوزير ابن العلقمي لهم، مما أضعف بنية المجتمع، وأدى إلى وقوع خيانات مختلفة ضد الخليفة.
وأما الجانب الاقتصادي: فقد شهد عصر المستعصم أعنف الكوارث الطبيعية التي لم تشهد مثلها الخلافة العباسية، فكثرت الفيضانات التي أتلفت المحاصيل، وارتفعت الأسعار وتعذرت الأقوات، مما أدى إلى ضعف الحكم في البلاد.
آفة الترف
}وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا{ [الإسراء: 16].
والمترفون – كما يقول سيد قطب - في كل أمة هم طبقة الكبراء الناعمين الذين يجدون المال ويجدون الخدم ويجدون الراحة، فينعمون بالدعة وبالراحة وبالسيادة، حتى تترهل نفوسهم وتأسن، وترتع في الفسق والمجانة، وتستهتر بالقيم والمقدسات والكرامات، وتلغ في الأعراض والحرمات، وهم إذا لم يجدوا من يضرب على أيديهم عاثوا في الأرض فساداً، ونشروا الفاحشة في الأمة وأشاعوها، وأرخصوا القيم العليا التي لا تعيش الشعوب إلا بها ولها؛ ومن ثم تتحلل الأمة وتسترخي، وتفقد حيويتها وعناصر قوتها وأسباب بقائها؛ فتهلك وتطوى صفحتها.
والآية تقرر سنة الله هذه، فإذا قدر الله لقرية أنها هالكة لأنها أخذت بأسباب الهلاك، فكثر فيها المترفون، فلم تدافعهم ولم تضرب على أيديهم، سلط الله هؤلاء المترفين ففسقوا فيها، فعم فيها الفسق، فتحللت وترهلت، فحقت عليها سنة الله، وأصابها الدمار والهلاك. وهي المسؤولة عما يحل بها؛ لأنها لم تضرب على أيدي المترفين، ولم تصلح من نظامها الذي يسمح بوجود المترفين. فوجود المترفين ذاته هو السبب الذي من أجله سلطهم الله عليها ففسقوا، ولو أخذت عليهم الطريق فلم تسمح لهم بالظهور فيها ما استحقت الهلاك، وما سلط الله عليها من يفسق فيها ويفسد فيقودها إلى الهلاك.
إن إرادة الله قد جعلت للحياة البشرية نواميس لا تتخلف، وسنناً لا تتبدل، وحين توجد الأسباب تتبعها النتائج فتنفذ إرادة الله وتحق كلمته. والله لا يأمر بالفسق؛ لأن الله لا يأمر بالفحشاء. لكن وجود المترفين في ذاته، دليل على أن الأمة قد تخلخل بناؤها، وسارت في طريق الانحلال، وأن قدر الله سيصيبها جزاء وفاقاً. فهي التي تعرضت لسنة الله بسماحها للمترفين بالوجود والحياة.
فالإرادة هنا ليست إرادة للتوجيه القهري الذي ينشئ السبب، ولكنها ترتب النتيجة على السبب. الأمر الذي لا مفر منه؛ لأن السنة جرت به. والأمر ليس أمراً توجيهياً إلى الفسق، ولكنه إنشاء النتيجة الطبيعية المترتبة على وجود المترفين وهي الفسق.
وهنا تبرز تبعة الجماعة في ترك النظم الفاسدة تنشئ آثارها التي لا مفر منها. وعدم الضرب على أيدي المترفين فيها كي لا يفسقوا فيها فيحق عليها القول فيدمرها تدميراً.
هذه السنة قد مضت في الأولين من بعد نوح، قرناً بعد قرن، كلما فشت الذنوب في أمة انتهت بها إلى ذلك المصير، والله هو الخبير بذنوب عباده البصير: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء: 17].
وكانت مظاهر الترف قد ظهرت في الأمة الإسلامية بعد عصر الخلافة الراشدة، وكانت البداية في عهد الدولة الأموية، وكما يقول الدكتور الصلابي فإن الحديث عن ترف الأمويين وبذخهم يحتل مكانة واسعة عند المؤرخين، والحق أنه كان عندهم لون من ألوان البذخ في سكناهم وفي لباسهم وفي عطائهم ونفقاتهم، وقد لفت معاوية نظر عمر بن الخطاب رضي الله عنهم إليه، وهو أحد ولاة الشام، يغدو في موكب ويروح في آخر، ولكن من الحق أيضاً ألا ننظر إلى حياة الأمويين بمعزل عن حياة المجتمع العربي والإسلامي آنذاك، فهي جزء منه، تتأثر به، كما تؤثر فيه، وفي ذلك العصر كان التطور الاجتماعي يتلاحق، ومظاهر الغنى وانتشار الأموال والرغبة في التمتع الحلال به تصبح أمراً ظاهراً يدفع الذوق العام والقيم الاجتماعية الحاكمة آنذاك إلى مزيد من التفتح والاتساع.. وهذه السمة الظاهرة لا تنفيها ورود أخبار مؤكدة في زهد معاوية ورقة ثيابه، أو زهد عامله زياد ولباسه المرقوع، فلا تناقض بين هذه الروايات وما عرف من التلبس بمظاهر الملك، بل هي دليل على نفوس عالية لا ترى الزهادة نقصاً ولا ترى التنعم حراماً.
وهكذا إذا نظرنا نظرة شاملة في وجوه الإنفاق المالي في ذلك العصر لا نجد مظاهر الترف والبذخ قصراً على بني أمية، خلفائهم وولاتهم، فبعض بني هاشم وبني الزبير وغيرهم من معارضي الأمويين لم يكونوا أقل سماحة بالمال من بني أمية، ولا أكثر حرصاً عليه. وإذا كان بنو أمية قد ابتنوا القصور فقد بنى رجال من أشراف العرب قصوراً كان لها ذكر وبهاء، وكان العرب يعدون ذلك كرماً، ويتفاخرون به، ويتوقعون مثله من كل شريف من أشرافهم، وإن لم يكن حاكماً.
والترف في المجتمعات الإسلامية ظاهرة سلبية لها ما بعدها، إن بحبحة الأمويين في الإنفاقات المالية أدت إلى ظهور الترف ثم تعمق وتجذر في الأمة حتى أصبح ترفاً مدمراً، ظهرت معالمه وآثاره في سقوط بلاد الشام في الصليبيين ثم سقوط بغداد في يد المغول وزوال الدولة العباسية.
إنه كالحمض الأكال الذي ينخر في جسم المادة فيذهب بصلابتها، فتصبح هشة سهلة القصف، أو تصبح لينة لا قوام لها في الصدام، وقد كانت وفرة المال في أيدي الناس هي الباب المؤدي إلى الترف بطبيعة الحال، ولكن هذا يفسر ولا يبرر، فإنه لا يوجد تبرير لمعصية الله، وقد جاء المال بوفرة نسبية على أيام عمر رضي الله عنه، ولكنه تصرف بشأنه بمنع الفساد، فمنع الصحابة - رضوان الله عليهم - من الخروج من المدينة للضياع والتجارة؛ حتى لا تتكون منهم طبقة تملك المال في أيديها وتملك السلطان الأدبي على الناس؛ فيحدث التميز وتفسد الأحوال، فضلاً عن احتمال إصابتهم هم أنفسهم بالترف وهم هيئة المشورة إلى جانب الخليفة؛ فتفسد مشورتهم حين تترهل نفوسهم، وقبل ذلك أخذ عمر رضي الله عنه نفسه وأهل بيته بالشدة الحازمة، حتى لا يكونوا قدوة سيئة أمام الناس؛ فيفسد الناس، أما حين يترك المال بدون تصرف معين من ولي الأمر، يسمح بالنفع ويمنع الضرر، فإنه لا بد أن يؤدي إلى نتائجه المحتومة حسب السنة الإلهية، لا لأن المال في ذاته هكذا يضع، ولكن لأن الجهد البشري المطلوب لإصلاح الآفة لم يبذل فتنفرد الآفة وحدها بالسلطان، وآفة المال الترف، وعلاجها في يد ولي الأمر بنشر روح الجد في المجتمع وبإعطاء القدوة من نفسه لبقية الناس. أما حين يترك في أيدي الناس بلا ضابط مع وجود فئة تعمل جاهدة في إفساد أخلاق المجتمع وروحه، فالنتيجة هي ما قررته السنة الربانية التي جاء بيانها في كتاب الله: }ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{ [الروم: 41].
والترف مُعْد ككل آفة.. فحين لا يعالج، ولا يوقف فإنه ينتشر ولا بد، وحين يكون مبتدؤه في قصور الخلافة فأمره أسوأ؛ لأن الحكام دائماً قدوة، وقد كان الأمويون برغم وجود الترف بينهم أقل فساداً بالمال من العباسيين؛ لأنهم كانوا أكثر انشغالاً بتثبيت دولتهم من ناحية، وبالجهاد في سبيل الله من ناحية أخرى، فأما العباسيون فبعد أن استتب لهم الملك أخذ الترف يسري بينهم سريعاً، خاصة بفعل الحاشية الفارسية المفسدة المتعمدة للفساد. ومن قصور الخلافة انتقل الترف بالعدوى إلى قصور الأمراء والوزراء، ثم قصور التجار الذين وصل دخلهم في التجارة العالمية إلى ملايين الدنانير، وشيئاً فشيئاً غلب الفساد على عاصمة الخلافة بغداد ثم العواصم الإسلامية الأخرى.
الخلاصة
هذه نظرة سريعة في حال الأمة الإسلامية في ذلك الوقت.. ويلاحظ أنه قد انتشرت فيها الفتن والمؤامرات، وتعددت فيها الحروب بين المسلمين وإخوانهم في الدين، وكثرت فيها المعاصي والذنوب، وعم الترف والركون إلى الدنيا، وهانت الكبائر على قلوب الناس، حتى كثر سماع أن هذا ظلم هذا، وأن هذا قتل هذا، وأن هذا سفك دم هذا، يقال هذا الكلام بدم بارد وكأن الأرواح التي تزهق ليست بأرواح بشر.
وكما يقول سامي بن خالد الحمود فقد انكسرنا لما عظمت الدنيا في نفوسنا، وركنا إلى شهواتها وملذاتها، وتركنا الجهاد في سبيل الله، والتضحية لدين الله، وأنى لأمةٍ أن تنتصر، وأبناؤها بل كبارها.
ولهذا عندما عجز أحفاد صلاح الدين الذين تربوا في القصور عن حمل لواء الجهاد، قيض الله للأمة المماليك فنصر الله بهم دينه.
وانكسرنا لما دب الضعف في الخلافة العباسية، وأغلق الخلفاء على أنفسهم أبواب القصور، ولم يأبهوا بما يجري للناس من الظلم على أيدي الأمراء والحاشية.
وانكسرنا لما تكاسل العلماء عن أداء واجبهم في نصح الأمة، والاهتمام بقضاياها، والأخذ على يد الظالم، وانطوى كثير منهم على نفسه، ونسي الميثاق العظيم الذي أخذه الله على أهل العلم، ورضي بعرض من الدنيا قليل.
وانكسرنا لما افترقنا إلى دويلات متنافرة، فعادى الأخ أخاه، وقتل أباه، طمعاً في حطام الدنيا، وكان التتار يحيطون ببلاد الإسلام، بينما المسلمون يقاتل بعضهم بعضاً، وينهب بعضهم بعضاً، فأذاق الله بعضَنا بأس بعض، وأُهدرت مقدرات الأمة في هذه الحروب الداخلية.
وانكسرنا بالخيانة، عندما قام بعض بني جلدتنا بخيانة الأمة، وفي بعض الأحداث كانت الأمة قاب قوسين أو أدنى من الانتصار، فإذا بمسلسل الخيانات يقلب الموازين، ويحطم ما بقي من قوة المسلمين.
لقد قام بعض الخونة بإرشاد التتار إلى العورات ومواطن الضعف في بغداد، وقام آخرون بتسليم البلاد لأمراء التتار، وقام آخرون بالتجسس لصالحهم، وقام آخرون بمراسلة التتار وتحريضهم على إخوانهم، وقام آخرون بتسليم إخوانهم المجاهدين إلى التتار، خوفاً على أنفسهم من قاعدة (من لم يكن معنا فهو ضدنا)، وتاجر بعض ملوك بني أيوب بقضية القدس وسلم بيت المقدس للصليبيين في مقابل الإبقاء على ملكه والقضاء على أخيه، وقدم حاكم الموصل للتتار المدد والدعم اللوجستي كما يقال، ثم وقف هو وجيشه مع التتار ضد إخوانه المسلمين، وها نحن نجد تلك المآسي نفسها تتكرر بين المسلمين اليوم.
وانكسرنا عندما غفلنا عن أعدائنا ومخططاتهم، وانخدعنا بشعاراتهم الزائفة، وتشدقهم بدعاوى الأمان والسلام، فكان التتار يعطون أهل البلاد الأمان اليوم ويغدرون بهم في الغد، ثم يسيرون إلى البلاد الأخرى فيصدقونهم، فيفعل التتار بهم مثل ما فعلوا بإخوانهم، كما هو حاصل اليوم في العالم الإسلامي.
وانكسرنا عسكرياً بعد أن انكسرنا نفسياً، فكان للحرب الإعلامية دور كبير في فشل المسلمين وهزيمتهم النفسية وأصبح المجتمع يردد ما يبثه الإعلام التتري من العبارات مثل: جيش التتار لا يهزم، ليس هناك خيار سوى الاستسلام.. واليوم تتكرر على مسامعنا مثل تلك الأوصاف، كالقول بأن "جيش إسرائيل لا يقهر"، وكان لهذه الحرب النفسية أثر كبير في الإحباط المعنوي والانهيار الميداني.
وانكسرنا عندما أُهمل الجيش المسلم، ووُلِّي عليه الخونة أمثالُ الوزير الرافضي ابنِ العلقمي، الذي سرح الجيش وأهدر قوة الأمة التي أمر الله أن تعدها لأعدائها، فلما هجم التتار وحل البلاء بالمؤمنين، انكشفت هذه القوة الهزيلة، ولم تغن عنهم شيئاً.
ففي هذه الحالة أصبح العالم الإسلامي ينتظر كارثة تقضي على كل الضعفاء في كل هذه الأقطار، ليأتي بعد ذلك جيل من المسلمين يغير الوضع، ويعيد للإسلام هيبته، وللخلافة قوتها ومجدها.
ولم يتحقق ذلك إلا بعد عملية تطهير للمجتمع الإسلامي من الأوبئة والأمراض السياسية والاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية، وإزالة عوامل التفكك والنزاع بين المسلمين، كل ذلك حصل وتحقق قبل دحر التتار في عين جالوت على يد رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
وهذا ما نحتاج إليه في حاضرنا "المستعصمي" البائس التعيس، والبداية بطهارة القلوب وصواب السلوك في الفرد والمجتمع، حذو القذة بالقذة على منهج من نصروا الإسلام وصنعوا مجد الأمة عبر تاريخها العظيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
- (في ظلال القرآن)، سيد قطب.
- (كيف دخل التتار بلاد المسلمين؟.. الأدوار الخفية في سقوط الخلافة العباسية)، سليمان بن حمد العودة.
- (الانتصار على التتار.. دراسة تربط ماضي الأمة بحاضرها)، سامي بن خالد الحمود.
- (الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار)، د.علي محمد الصلاَّبي.
- (قصة التتار من البداية.. إلى عين جالوت)، د. راغب السرجاني.
- (الفخري في الآداب السلطانية)، ابن الطقطقي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تقرير: فساد الأمة.. بوابة نحو السقوط
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديــــات البغدادي 33 :: •·.·`¯°·.·• (قسم الاغاني والصور و العاب و برامج العراقيه) •·.·°¯`·.·• :: قسم اسلامي و ايات قران الكريم-
انتقل الى: